بكونه قد عاش طفولته في المغرب وعمل كشيف لمطعمه الخاص في السّنّ الثّانية والعشرين، لطالما ألهمت التّوابل والرّوائح مبدع العطور جيرالد جيسلان. وبكونه مسافر أيضًا، يشكّل السّفر مصدر وحي مهمّ له.
تسنّت لموقع أزياء مود فرصة مقابلة جيسلان واكتشاف المزيد عن مسيرته في عالم إبداع العطور وقبل أن يصبح عطّارًا، وعن أحدث ما أطلقه، عطر"This Is Not A Blue Bottle”.
لقد مضيت طفولتك في المغرب. كيف أثّر ذلك على إهتمامك بالرّوائح؟
إنّ تمضية شبابي في جوّ البحر الأبيض المتوسّط منحني لذّة حيال الأعشاب والتّوابل. ولقد أمعنت النّظر بالكثير من النّساء حولي، وأدركت أهميّة الزّيوت الأساسيّة في حياتهنّ وعاداتهنّ الجماليّة المميّزة. فلقد نشأت محاطًا بروائح الخزامي والعنبر والزّعتر والغار والتّوابل. غير أنّ أكثر ما أذكره هو الوقت الذي مضيته في المغرب. لقد تمحور الأمر برمّته حول رائحة فطائر منى. إنّها في الواقع فطائر تأتي وصفتها من شمال أفريقيا. إعتادت أمّي على تحضيرها في المنزل وكان يتوجّب علينا أن نخبزها في فرن الخبّاز. أذكر جيّدًا رائحة أرغفة الخبر المخبوزة ورائحة اللّيمون وزهر البرتقال وبذر اليانسون. بالنّسبة لي، إنّها جزء من حياتي اليوميّة.
كيف بدأت مسيرتك المهنيّة في عالم تركيب العطور؟
في خلال رحلةٍ لي، ذهبت إلى متحف غراس المخصّص لإبداع العطور. إنّ غراس بلدة في جنوب فرنسا شهدت على نشأة هذا الفنّ. تمتلئ هذه البلدة الصّغيرة بالعطور والرّوائح. وفي ذلك الوقت، أدركت أنّ العطور هي طريقة مثاليّة لي للتّعبير عن مشاعري وخيالي وأحلامي. تمنحني هذه الأخيرة فرصة رواية قصصي على بشرة النّاس.
قبل أن تصبح مبدع عطور، أصبحت مالك مطعم في باريس في عمر 22 سنة. كيف يمتّ فنّ الطّبخ بصلة إلى إبداع الرّوائح؟
كان الإنتقال من هذا إلى ذاك طبيعي للغاية... في كلتيْ الحالتيْن، إنّنا نسيطر على الطّبيعة. من خلال الطّهي على سبيل المثال، إنّنا نستخدم حسّنا وذوقنا وحاسّة الشّمّ. غير أنّ التّشابه بين مالك مطعم ومبدع عطور لا يتمحور فقط حول العناصر الطّبيعيّة التي يتمّ مزجها. ففي كلتيْ الحالتيْن، عليك رواية قصّة وللقيام بذلك، عليك إبداع كافّة هذه العناصر. إنّ المطعم لا يتمحور فقط حول الطّبخ، فيتطلّب أيضًا إبداع لائحات طعام وعناصر تزيينيّة وإيجاد أفكار لجعل النّاس يرغبون بزيارته. وفي عالم العطور، عليك أيضًا إبداع قارورة العطر وروايته وعلبته...
أين تجد مصدر وحيك في خلال إبداعك لعطر؟
إنّ إبداع عطر أمرٌ تقنيّ للغاية لكن في الواقع، أنّي لا أتّبع تقنيّة معيّنة بطبيعتي. عندما أبدع رائحة، أستخدم غريزتي فحسب. وبالنّسبة لي، إنّ مصدر الوحي ليس فكريّ، إنّه حسّ أو شعور. لا بدّ من أنّ عملي مستوحى من كلّ ما تعلّمته ومن خبرتي وسفري وبالتّالي، من فكري. لكن عندما أبدع عطرًا ما، لا أفكّر، تجتمع الأفكار في رأسي في الوقت عينه، من دون خطّة وأحيانًا من دون منطق! وهذا ما يجعل إنجاز الفكرة أصعب وأكثر إثارةً للاهتمام.
هل من عنصر تتميّز باستخدامه في عطورك؟
لا أعلم إذا يمكننا القول بأنّ ثمّة عنصر يميّز عطوري، أعتقد أنّ الأمر يرتكز أكثر على تميّز في الأسلوب. وكما قلت سابقًا، عندما أبدع عطر، يكون الأمر غرائزيّ لأنّي أريد أن أخبر القصّة التي تراود ذهني بأوضح شكلٍ ممكن. لا أقوم بذلك من خلال التّفكير بما يتوقّعه النّاس ولا لجذب العالم بأسره، بل للتّعبير عن نفسي من دون امتياز ولأخبر قصّة وإذا ما أبدعته يُعجب النّاس، سيكون بالنّسبة لي نجاحًا حقيقيًّا.
ولأكون صريحًا، جعلني صديق أدرك أنّ كافّة عطوري تقريبًا تشمل "لمسات شهيّة"، ولا بدّ من أّنّ ذلك يتأتّى عن ماضيّ كشيف، ويمكن اعتباره عنصرًا مميّزًا. ويظهر ذلك كيف يأتي الإبداع من اللّا وعي بالنّسبة لي.
بإمكانك إخبارنا عن أحدث عطورك، “This Is Not A Blue Bottle”، الذي يتوفّر حصريًّا في متاجر سيفورا؟
مع عطر "This Is Not A Blue Bottle”، كانت عمليّة الإبداع مختلفة تمامًا عن كافّة عطوري الأخرى. أعتقد أنّ الآن بإمكانك فهم مبدأ إبداع عطر لرواية قصّة. لكن اليوم، مع وسائل التّواصل الجديدة، وبخاصّة وسائل التّواصل الإجتماعي، ما من أحد يمكنه أن يتكلّم فحسب، فعليهم الإستماع أيضًا. فقلت لنفسي، "حسنًا، لقد مرّت أكثر من خمس عشرة سنة وأنا أخبر النّاس رواية من خلال عطوري، فقد حان وقت أن يخبروا قصصهم وأستمع لهم."
تعلمين أنّه عندما تخبرين قصّة، عليك احترام بعض القواعد، فعليك إيجاد مكيدة ومكان وعنصر مفاجأة... لكن مع "This Is Not A Blue Bottle"، لا أخبر قصّة وشعرت بالحرّيّة التّامّة، فاخترت بكلّ بساطة بعض المواد الخامة التي تعجبني وتسلّيني وجمعتها. وكان الأمر بمثابة مزج كلمات لإنشاء لغة جديدة، لكن هذه اللّغة ليست لي، إنّها لكلّ من يستخدم هذا العطر وأنا أشعر بالحماس للاستماع إلى القصص التي سيخبرونني إيّاها.

ما هي خطط المستقبل لعلامة “Histoires de Parfums”؟
إنّني أعمل الآن على نسخة جديدة من عطر "This Is Not A Blue Bottle". أريد أن تكون هذه الأخيرة متناقضة تمامًا مع العطر الأوّل، كين ويانغ.
هل إنّها أوّل زيارة لك إلى الشّرق الأوسط؟ ما أكثر ما أحببته في هذه المنطقة؟
غالبًا ما آتي إلى دبي. أحبّ التّناقض بين الطّابع العصريّ الذي تتمتّع به المدينة واحترام الإماراتيّين لثقافتهم. تعلمين أنّي أعيش في باريس، وإنّ الفرنسيّين والإماراتيّين يتمتّعون بتاريخٍ غنيّ للغاية. لكن في باريس، يبرز التّاريخ والثّقافة في المتاحف. أمّا في دبي، بما أنّ المباني جديدة، فتنحفر الثّقافة في قلب الشّعب، وبالنّسبة لشخصٍ مثلي، يجد مصدر وحيه في السّفر والصّدف، يمكنني القول بأنّ هذه المدينة هي مصدر وحي لي. وبالطّبع، إنّ الشّرق الأوسط لا يتمحور حول دبي فحسب، ولقد زرت في السّابق مدن أخرى كثيرة وما زال لديّ الكثير من الأماكن لزيارتها وبما أنّي أحبّ المنطقة بشكلٍ عامّ، أؤكّد لك أنّي سأعود مرّاتٍ عدّة.
ميرلّا حدّاد


