قلّما صمدت تقنيّة كالمينا من بين الفنون الزخرفيّة أمام تقلّبات الأذواق عبر القرون بنفس هذه البراعة الهادئة. فنشأ فنّ المينا في العصور القديمة وبلغت أوجّها في ورش أوروبا في خلال عصر النهضة، وتقوم على مزيج من مسحوق الزجاج والنار والبراعة اليدويّة. فعند تسخينها بدرجات حرارة دقيقة، تتحوّل المينا إلى سطح مضيء لامتناهي العمق واللون. وبعد أن كانت حكرًا على العملات الملكيّة والكنوز الكنسيّة، تعود المينا اليوم إلى الواجهة من خلال عالم الساعات المعاصرة، حيث أصبحت رمزًا للتراث والحصريّة.
وتعود جذور المينا إلى مصر القديمة والإمبراطوريّة البيزنطيّة، حيث زيّن بها الحرفيّون المجوهرات والقطع المقدّسة. أمّا في عصر النهضة فباتت وسيلة مفضّلة لرسم اللوحات المصغّرة والزخارف الدقيقة، بفضل قدرتها على الحفاظ على الألوان الزاهية قرونًا من الزمن من دون أن تتلاشى. ولا تزال اليوم التقنيّات نفسها – مثل التطعيم والتقطيع والإنارة – تُمارَس على يد حفنة من الحرفيّين المهرة الذين يقضون أسابيع أو حتى أشهر في إنجاز قطعة واحدة.
ساعة Reverso One Precious Flowers من جيجر-لوكولتر
تتطلّب مهارة المينا دقّة وصبرًا استثنائيّين. فيطبّق الحرفيّ طبقات متتالية من مسحوق الزجاج على سطح معدنيّ، يتمّ حرق كلّ طبقة منها في فرن حتى تندمج وتتحوّل إلى طبقة لامعة. وتعزّز كلّ طبقة عمق اللون وتضفي عليه تلاعبًا بالضوء لا يمكن تحقيقه باستخدام الطلاء أو الورنيش. وبسبب خطورة التشقّق أو ظهور فقاعات أو شوائب تبقى المينا من أكثر التقنيّات تحدّيًا في عالم الفخامة – الأمر الذي يشكّل سببًا في حفاظها على قيمتها العالية.
ساعة Perlée Extraordinaire Fruits Enchantés Framboise من فان كليف أند آربلز
تواصل الدور الرائدة الاحتفاء بالمينا كفنّ عريق ولغة تصميم معاصرة. كارتييه مثلًا لطالما استخدمتها لإبراز نمورها وتماسيحها وطيورها الغريبة، فتضفي على مجوهراتها الراقية حيويّة باهرة. أمّا فان كليف أند آربلز فتحيي الشعر مع المينا المنوّرة، تقنيّة شفّافة تذكّر بالزجاج الملوّن، تنير رموزها المستوحاة من الطبيعة بلون أثيريّ.
ساعة Les Cabinotiers Hommage à La Tour de L’Île من فاشرون كونستنتان
في عالم صناعة الساعات الراقية، تُعتبر أقراص المينا التعبير الأسمى عن الحرفيّة. فغالبًا ما تصوّر ساعات باتيك فيليب الملوّنة يدويًا بتقنيّة المينا مناظر طبيعيّة وخرائط ومشاهد كونيّة. وتعاونت دار جيجر-لوكولتر مع حرفيّي مينا لابتكار سماوات فلكيّة ومجموعات نجوم على أقراصها الدقيقة. بينما تضفي دار Hermès لمسة من المرح إلى المينا مع رموز خياليّة وألوان جريئة فتلفت هاوي الجمع الذين يقدّرون الفنّ والفرادة على حدّ سواء.
ساعة Panthère الشبيهة بالسوار الصلب من كارتييه
ما يجعل المينا ذات صلة اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى هو احتضانها للألوان في زمنٍ تتّجه فيه الفخامة نحو التخصيص والتعبير الشخصيّ. فتسيطر درجات الأزرق الجوهريّ، والأحمر الناريّ، والباستيلات اللماعة على أحدث المجموعات، لتعيد تقديم هذا الفنّ الذي يعود إلى قرون بأسلوب يخاطب الجيل الجديد. ولا تقتصر المينا اليوم على التراث، بل تتحدّث بلغة الحكاية والتفرّد والحيويّة.
مقالة من كتابة ميرلّا حدّاد
- الكلمات المفتاحية
- الساعات